ادعمنا

النظرية الليبرالية في تفسير الدراسات الأمنية - Liberalism theory in the security studies

ترجع الجذور الفكرية للاتجاه الليبرالي للمدرسة المثالية ويتأسس إطارها الفكري على انتقاد ورفض الفروض العامة الأساسية للنظرية الواقعية وتبلورت النظرية الليبرالية على يد العديد من المفكرين  أمثال "جون لوك"، "إيمانويل كانط"، "آدم سميث"، وغيرهم... حيث تعد النظرية الليبرالية أكثر المقاربات النظرية في حقل العلاقات الدولية نزوعا لقيمة التعاون الدولي، فهي تنظر إليه على أنه حالة طبيعية في العلاقات الدولية أما الحروب فهي استثناء، حيث تنقسم النظرية الليبرالية إلى:

 

أولا- الليبرالية البنيوية وأطروحة السلام الديمقراطي:

مرتكزات فكرة السلام الديمقراطي:

ترتكز فكرة السلام الديمقراطي على مبدأين:

المبدأ الأول: أن الدول الديمقراطية لا تتقاتل فيما بينها، وقد يكون التاريخ دليلاً على ذلك، لأن التاريخ لم يشهد حربا بين دولتين ديمقراطيتين، ويرى أنصار هذه الفكرة أن السبب الذي يمنع نشوء حرب بين الدول الديمقراطية  يعود إلى عدة أمور:

- الأمر الأول: أنّ قرار الحرب في الدول الديمقراطية ليس سهلا كالدول غير الديمقراطية، لأن قرار الحرب في الدول الديمقراطية لابد أن يمر عبر مؤسسات التشريع في الدولة، وهذا من شأنه أن يُعقد المسألة، أما قرار الحرب في الدول الديكتاتورية فلا يحتاج إلا إلى قرار من رأس الدولة.

- الأمر الثاني: أن الديمقراطية من شأنها أن تخلق وعيا شعبيا، وثقافة سياسية، وتنشئة اجتماعية تمنع من تقبل المجتمع الجمعي فكرة الحروب والصراعات العسكرية مع الدول الأخرى.

الأمر الثالث: أن هناك ثقة واحتراما متبادلين بين الدول الديمقراطية لكونها تشترك بذات المبادئ والفلسفة، ومن ثم فإنها لن تلجأ إلى محاربة بعضها.

- الأمر الرابع: أن الدول الديمقراطية بما أنها تمتلك آليات ديمقراطية لمعالجة مشاكلها الداخلية فإنها كذلك ستستعمل آلياتها الديمقراطية في معالجة قضاياها الخارجية.

المبدأ الثاني:  أن العلاقات خارج المنطقة الديمقراطية علاقات صراعية، أي أن الأصل فيها عدم السلام، بما في ذلك العلاقات بين الدول الديمقراطية مع غير الديمقراطية، لأن "الدولة الطبيعية هي دولة الحرب وليست دولة السلام".

حيث استندت الليبرالية البنيوية إلى فكرة السلام الديمقراطي التي ظهرت في ثمانينات القرن العشرين موضحة إن انتشار الديمقراطية من شأنه أن يؤدي إلى زيادة الأمن الدولي، حيث تعود فكرة السلام الديمقراطي إلى الأبحاث التي قام بها كل من"سمول مالفين" و"دافيد سينغر "وكانت في مقال نشر لهما سنة 1976 في صحيفة القدس للعلاقات الدولية، بعد أن قاما بتوسيع فكرة "ايمانويل كانط"   لعام 1796 في مقاله "السلام الدائم " والذي اعتبر فيه أن الحكومات الجمهورية تجنح للسلم عكس الحكومات التي يحكمها متسلطون يسعون لتحقيق رغباتهم ، كما دعم الفكرة فيما بعد "مايكل دويل" و"بروس روست"، فقد أشار "مايكل دويل" إلى أن التمثيل الديمقراطي والالتزام الأيديولوجي بحقوق الإنسان والترابط العابر للحدود الوطنية هي العناصر الأساسية المفسرة  للميل إلى لسلام الذي يميز الدول الديمقراطية، وأن اهتزاز الأمن مرتبط بغياب الصفات والقيم الديمقراطية التي من دونها يحل منطق القوة محل منطق التوفيق، حيث يجادل "مايكل دويل" بأن هناك ثلاثة عناصر أساسية وضعها كانط في مقاله والتي تؤكد أن الدول الديمقراطية أقل نزوعا للحرب من الدول غير الديمقراطية :

- التمثيل الديمقراطي الجمهوري.

- الالتزام الإيديولوجي لحقوق الإنسان.

- الترابط العابر للحدود الوطنية.

ولقد أعاد الليبراليون النظر في مسالة الأمن من اتجاه أكثر اتساعا وشمولية، من خلال إقحام فاعلين من غير الدولة، ليصبح الأمن ليس فقط حماية ضد تهديدات الدول الأخرى ،وإنما من تهديدات فاعلين آخرين من غير الدوليين ضمن الترتيب العالمي، فقوام التصور الليبرالي للأمن موسع بمعنى ما فوق الدولة ليشمل العوامل المؤسساتية ، الاقتصادية والديمقراطية، وهي أبعاد أكثر تأثيرا من العمل العسكري في إقامة السلام، باعتبار أن السياسات الدنيا هي التي تحدد أجندة الأمن وتجعل التعاون الدول أمر لا مفر منه ،فهذا ما برز في الليبرالية الجديدة.

ويقوم الاتجاه الليبرالي البنيوي على الافتراضات التالية:

- الأفراد والجماعات في المجتمع المدني الوطني وعبر الدولي يشكلون الفاعلين الأساسيين في السياسة الدولية.

- كل المؤسسات السياسية الدولية بما فيها الدولة الأمة تمثل مصالح بعض وليس كل أطراف المجتمع الخاضع لحكمها.

- سلوك الدولة الذي يعتبر محددا لمستويات النزاع والتعاون الدولي يعكس طبيعة وشكل مقاصد الدولة وخياراتها.

تقييم نظرية السلام الديمقراطي:

- عجزت نظرية السلام الديمقراطي في معالجة حروب الوكالة، التي تنشأ عندما تستخدم القوى المتحاربة أطرافا أخرى للقتال بدلا عنها بشكل مباشر خاصة أثناء الحرب الباردة.

- كما أكد بعض المفكرين أن السلام بين الديمقراطيات أثناء الحرب الباردة كان نتيجة المصالح المشتركة لهذه الدول في معارضة الشيوعية، وليس نتيجة الديمقراطية، كما أكدوا أيضا أن التجارة هي سبب السلام وليس الديمقراطية.

كما يزعم دعاة نظرية السلام الديمقراطي أن الدول الديمقراطية تحل مشاكلها مع الآخرين من خلال الآليات الديمقراطية بخلاف الدول الدكتاتورية التي لا تمتلك تلك الآليات أصلا، فهذا الادعاء غير صحيح فالتاريخ يؤكد بأن الدول الديمقراطية تطبق معاييرها الديمقراطية في شأنها المحلي فقط، أما في السياق الدولي فهي تلجأ إلى الحلول العسكرية عند تعرض مصالحها للخطر.

 

ثانيا- الليبرالية المؤسساتية:

تنطلق الليبرالية الجديدة من انتقاد التصور الواقعي للأمن الدولي الذي يهمل دور المؤسسات الدولية في التقليل من حدة النزاعات الدولية والحروب، حيث يقوم البناء التحليلي الواقعي على الدولاتية لا على المؤسساتية التي يراها نتاجا للأولى، وتؤكد من جهة أخرى على أن المؤسسات تؤدي دورا جوهريا في تحقيق الأمن الدولي وتعزيز الأمن الداخلي، عبر ما أصبحت تملكه من صلاحيات وآليات تسمح لها بإدارة بعض الجوانب في المسائل الداخلية كنتاج التحولات التي مست السياسة العالمية، والتي لم تعد تتيح للدول التصرف في سياستها الداخلية بسيادة مطلقة.

فالليبرالية المؤسساتية تقوم على افتراض مؤداه أن انتشار وتزايد عدد المنظمات الدولية والإقليمية وزيادة وتعقد وتيرة شبكة الاعتماد المتبادل سوف يفضي إلى سلوك سلمي وتعاوني بين الدول والوحدات الموجودة في النظام الدولي.

وتركز الليبرالية المؤسساتية على الطريقة التي من خلالها يمكن للمؤسسات الدولية أن تؤثر في توفير الأمن بواسطة نشر قيم معينة أو خلق نمط من السلوك المحكوم بقوانين معينة ، كما ترتبط بنظام دولي يتوفر فيه شرطان أساسيان، أولا يجب أن يكون بين الفاعلين من الدول وغيرها مصالح متبادلة يرجى الحصول عليها نتيجة لعملية التعاون ، ثانيا أن يكون التغيير في درجة المأسسة يمارس تأثيرا قويا على سلوك الدول.

وتعمد الليبرالية المؤسساتية إلى تعريف الأمن من منطلقات أوسع مبتعدة عن القراءة الجغرافية العسكرية للمصطلح التي ركز عليها التيار الواقعي مؤكدة على أهمية قضايا الثروة والرفاه والبيئة، ومقحمة فاعلين من غير الدولة، ليصبح الأمن ليس فقط حماية أمن الدولة ضد تهديدات الدول الأخرى،  وإنما من تهديدات فاعلين غير دوليين ضمن الترتيب العالمي، إذن فقوام التصور الليبرالي للأمن موسع بمعنى" ما فوق الدولة "أكثر" ما دون الدولة " ليشمل العوامل المؤسساتية، الاقتصادية والديمقراطية، وهي أبعاد أكثر تأثيرا من العامل العسكري في إقامة السلام، باعتبار أن السياسات الدنيا هي التي تحدد أجندة الأمن وتجعل التعاون بين الدول أمرا لا مفر منه.

 ركزت الليبرالية المؤسساتية على بناء المؤسسات وإيجاد الأنظمة والبحث عن المكاسب المطلقة بدلا من المكاسب النسبية، واعتقدت بأن المؤسسات الدولية بمقدورها التأثير في سلوك الدول والتغلب على تأثير الفوضى، حيث لا يعني ذلك أن المأسسة الدولية في استطاعتها منع حدوث الحروب، ولكن بوسعها تخفيف مخاوف الغش وتلطيف المخاوف التي تنشأ في بعض الأحيان من المكاسب غير المتكافئة المنبثقة من التعاون، والتخفيف من النزعة الأنانية للدول بتشجيعها على ترك المصالح الأنية لصالح فوائد أكبر للتعاون الدائم، ومع مطلع السبعينيات تحول الليبراليون إلى إعطاء المؤسسات الدولية المزيد من الاهتمام وجعلها تضطلع بمهام  ليس للدولة قدرة على القيام بها بمفردها وسبب هذا التحول هو ما دعا إليه "دافيد ميتراني" منتصف القرن العشرين وهو التعاون فوق الوطني لحل المشاكل المشتركة.

 

المصادر والمراجع:

أنور محمد فرج، نظرية الواقعية في العلاقات الدولية: دراسة نقدية مقارنة في ضوء النظريات المعاصرة. العراق: ممركز كردستان للدراسات الاستراتيجية، 2007.

عمار بالة، " مكانة الولايات المتحدة الأمريكية ضمن الترتيبات الأمنية في منطقة البحر الأبيض المتوسط". جامعة باتنة، كلية الحقوق، قسم العلوم السياسية،  مذكرة تخرج لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية، 2012.

بن صايم بونوار، "المشكلة الأمنية في المغرب العربي". رسالة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه في خصص العلاقات الدولية، قسم الدراسات الدولية، جامعة الجزائر03،2016.

اليامين بن سعدون،" الحوارات الأمنية في المتوسط الغربي بعد نهاية الحرب الباردة دراسة حالة مجموعة 5+5". مذكرة تخرج لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية ،تخصص دراسات متوسطية ومغاربية في التعاون والأمن ،جامعة الحاج لخضر باتنة ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،قسم العلوم السياسية، 2012.

جويدة حمزاوي، "التصور الأمني الأوروبي: نحو بنية أمنية شاملة وهوية استراتيجية في المتوسط". جامعة الحاج لخضر باتنة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، مذكرة مكملة لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية، تخصص دراسات مغاربية ومتوسطية في التعاون والأمن،2011.

محمد الطاهر عديلة، تطور الحقل النظري للعلاقات الدولية :دراسة في المنطلقات والأسس .مذكرة لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية ،تخصص علاقات دولية ،جامعة الحاج لخضر باتنة، كلية الحقوق والعلوم السياسية قسم العلوم السياسية،2015.

سليم قسوم، "الاتجاهات الجديدة في الدراسات الأمنية: دراسة في تطور مفهوم الأمن عبر منظارات العلاقات الدولية"( رسالة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية، 2010.

مبروك ساحلي، "نظرية السلام الديمقراطي كآلية لتحقيق السلام الديمقراطي". "المجلة العربية في العلوم الانسانية والاجتماعية". مج12، ع3، جويلية 2020.

صليحة كبابي، الدراسات الأمنية بين الاتجاهين التقليدي والحديث، "مجلة العلوم الانسانية"، ع38، ديسمبر 2012.

نايف بن نهار، "في نقد نظرية السلام الديمقراطي"، تم التصفح يوم: 2021/02/22 على الساعة: 17:03.

مورافيسك، أندري. ”الاتحادية والسلام :منظور ليبرالي – بنيوي“، تم التصفح يوم:21/02/2021 على الساعة :18:48.

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia